مجلة الدراسات القانونية Rev-Etu-Jur

أول موقع إلكتروني بالمغرب يعنى بنشر الثقافة القانونية من خلال تسليط الضوء على أهم المتسجدات التي تعرفها الساحة القانونية والأكاديمية والفقهية

جميع الحقوق محفوظة للمؤسس عبدالله شهير الجرموني . Fourni par Blogger.

في رحاب المجلة

المزيد

vendredi 23 mars 2018







كوثر الرفاعي
باحثة في القانون الخاص
بجامعة عبد المالك السعدي طنجة -






إن شغل الشاغل لأي دولة - كما هو الشأن بالنسبة للمغرب - هو تحقيق التطور والتنمية  في بلادها في مختلف المجالات أهمها المجال القضائي، فإذا كان هذا الأخير ناجحا وفعالا فإن باقي المجالات ستكون مما لا شك فيه ناجحة، وهو ما سيؤدي الى خلق مقاربة هامة ألا وهي الحكامة القضائية التي أشار عنها ميثاق إصلاح منظومة العدالة الذي تم اعتماده في 30 يوليوز 2013 من خلال توصيات الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة (1).
والقضاء باعتباره جهاز يروم إلى تطبيق القوانين وتفعيلها والبث في المنازعات باختلاف طبيعة موضوعها وأطرافها لن يتأتى له القيام بذلك مالم يوجد إطار قانوني يؤطر عمله واختصاصاته ويضمن استقلاله عن باقي السلط    ( التشريعية والتنفيذية )، وهو الأمر الذي جسده الى حد ما قانون التنظيم القضائي الصادر بتاريخ 15 يوليوز 1974 والذي عرف تحيينا بتاريخ 26 أكتوبر 2011، ولكن فمع تنامي النزاعات التي فرضتها أسباب جمة من بينها التطور التكنولوجي والعولمة، بات لهذا الجهاز ( القضاء ) أن يطور من امكانياته المادية والهيكلية والقانونية وذلك من أجل تسريع وثيرة القضايا ومعالجتها وتحقيق النجاعة والحكامة القضائيتين وهو ما يحاول مشروع قانون التنظيم القضائي الجديد رقم38.15 لسنة 2016 استجلاءه.
فإذن ما هي أهم المستجدات التي جاء بها هذا المشروع بخصوص إعادة تدبير هيكلة القضاء وتدبيره؟ وهل فعلا استطاع مشروع قانون 38.15 إرساء تطبيق مقاربة الحكامة القضائية أمام دواليب وأروقة المحاكم القضائية بالمغرب ؟
فللإجابة على هذه الاشكاليات وغيرها ارتأينا أن نتطرق الى نقطتين هامتين:
أولا : منظومة تدبير محاكم أول درجة ومحاكم ثاني درجة وتنظيمها الداخلي كتجسيد للحكامة القضائية.
ارتأينا الحديث عن منظومة تدبير محاكم الدرجة الأولى ومحاكم الدرجة الثانية لأن التطرق الى ذلك يجسد مدى تحقق مقاربة الحكامة القضائية من عدمها في هذا المشروع المومأ إليه.
و في الحقيقة بقراءتنا لمقتضيات مشروع قانون 15.38 سنجده بالرغم من أنه مشروع لم يسمو بعد إلى مستوى قانون قد جاء بمستجد هام يتعلق بمنظومة تدبير محاكم الموضوع بدرجتين التي ما أحوجها الى التسيير والتدبير في ظل تراكم القضايا بها، والذي لا محالة سيؤدي الى حد ما الى عدم جودة الأحكام وإهدار حقوق المتقاضين عبر تطبيق مقاربة الحكامة القضائية.
هذا المستجد يهدف الى جعل وزارة العدل والحريات المؤسسة المنوطة بها مهام الاشراف المالي والاداري لتلك المحاكم، وذلك طبعا بتنسيق مع المسؤولين القضائيين وذلك في إطار احترام مبدأ استقلال القضاء كمبدأ دستوري تم التنصيص عليه في إطار الدستور الجديد لسنة 2011، ولهذا الغرض وحتى يكون زمن تدخل الوزارة المذكورة في عمل القضاء قد ولى وانتهى واقتصار مهامه فقط فيما يخص الجانب الاداري والمالي دون تدخله في مضامين الأحكام التي يصدرها قضاؤنا المغربي وتنفيذها، الذي يبقى طبعا تحت مراقبة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، كان لابد من هذا المشروع أن يفعل وينفذ لأنه إن كان القول بالمشمول أنه جاء بمقتضيات هامة تعبر عن حق مدى تفعيل مقاربة الحكامة القضائية الى مستوى إن فعل سيكون إضافة نوعية نحو تحديث الادارة القضائية للمحاكم.
وهو ما يظهر لنا جليا في المادة 21 من مشروع قانون التنظيم القضائي الجديد من خلال إحداث مؤسسة " الكاتب العام للمحكمة " الذي يقوم بمجموعة من المهام المتمثلة في ضبط عمل مختلف مصالح كتابة الضبط والمصالح المحاسبية بها، والإشراف على موظفي هيئة كتابة الضبط العاملين بها، ويساعده في ذلك رؤساء كتابة الضبط بالمحكمة، ويخضع هذا الكاتب إداريا لسلطة ومراقبة الوزير المكلف بالعدل ويمارس مهامه تحت السلطة المباشرة للمسؤولين القضائيين بالمحكمة(2).
وعليه، يشكل هذا التدبير الجديد للمحاكم المغربية لبنة لنقل عنها ليست قوية وإنما تمهيدا نحو تفعيل مقاربة الحكامة القضائية وهو ما سنعمل على توضيحه في النقطة الموالية.
ثانيا : مدى مساهمة مشروع قانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي في تحقيق الحكامة القضائية.
فقبل الحديث عن إلى أي حد جسد مشروع قانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي في تحقيق الحكامة القضائية المرجوة، لابد من عمل إطلالة مبسطة حول مفهوم الحكامة القضائية التي نتحدث عنها ؟.
إذ تتجسد الحكامة القضائية من خلال العناصر الإرشادية التي يمكن استحضارها في كل توجه له، وهي الاستقلالية والمسؤولية والشفافية والفعالية والنزاهة، هذه العناصر تساعد على جعل إصلاح القضاء مقاربة حكماتية.
والحكامة القضائية تعتبر مقدمة لكل إصلاح مرتقب للجهاز القضائي، هذا الشرط يتأسس على الاستقلالية والحيادية والشفافية والفعالية في العمل القضائي، وانعدام سيادة منطق التعليمات علما أن  الدستور المغربي أكد على استقلالية السلطة القضائية تحقيقا لرهان دولة الحق والقانون، إذ الضمانة الأساسية لحقوق الإنسان التي كرسها الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 هي السلطة القضائية المستقلة النزيهة والفعالة (3).
ومن تم، ومما لاشك فيه أن مشروعنا المومأ إليه قد تحدث بصورة ليست  واردة بنص قانوني واضح يبين تعريف الحكامة القضائية، وإنما تظهر صور هذه المقاربة عندما تم نهج استراتيجية تحديث المحاكم المغربية عن طريق مخططات تروم الى رقمنة الخدمات القضائية في مواقع إلكترونية، وهو في الحقيقة إن دل فإنه يدل على وجود هذه المقاربة من خلال خلق آلية جديدة للتدبير والتسيير لمرفقنا القضائي حتى يكون الولوج إلى العدالة سهلا وميسرا للمتقاضي، ويخدم مصالحهم واستصدار أحكام ذو جودة تهدف إلى إحقاق حقوقهم.
وهو الأمر البين الذي أوردته المادة 22 من مشروع التنظيم القضائي الجديد التي تنص على أنه " تعتمد المحاكم الادارة الالكترونية للإجراءات والمساطر القضائية وفق برامج تحديث الادارة القضائية تنفذها الوزارة المكلفة بالعدل ". وهو في اعتقادنا أن المشرع المغربي من خلال هذا المشروع تبنى عن حق مقاربة الحكامة القضائية ومطمحه بتفعيلها داخل أروقة المحاكم القضائية.
كما تظهر معالم هذا النوع من الحكامة أيضا  - فضلا عن رقمنة خدمات المحاكم – في الاعتراف بالدور الفعال للمهن القضائية باعتبارها تعد من مساعدي القضاء، وذلك عن طريق إشراكهم في لجان البحث ودراسة صعوبات سير العمل بالمحاكم، ووضع الحلول المناسبة لها ، مع مراعاة مبدأ التخصص للقضاة عند تعيينهم في قسم من أقسام مختلف المحاكم المغربية.
هذا بالاضافة إلى إحداث قضاء القرب كتجسيد للحكامة القضائية، مع تبسيط الإجراءات المسطرية للمتقاضين المتوافدين على المحاكم بمختلف درجاتها حتى يسهل لهم الولوج الى إقامة دعواهم واقتضاء حقوقهم في جو يسوده الحق والعدالة (4).
وبالفعل، ومن وجهة نظرنا يشكل مشروع التنظيم القضائي الجديد لبنة أساسية في تجسيد الحكامة القضائية للمملكة، لكن السؤال العريض العام الذي يطرح نفسه هو أنه باطلاعنا على مشروع قانون التنظيم القضائي  رقم 18.35  نجده في الحقيقة تبنى توجها جديدا يرسخ ويعزز المبدأ الدستوري وهي الحكامة القضائية، هذا التوجه إن طبق بالشكل الذي جاءت به مواد المشروع المذكور سنكون لا محالة أما قضاء نموذجي يحتذى به وطنيا وعالميا، وسوف يبعث في نفوس المتقاضين الطمأنينة فيما يدعونه من حقوق؟.
أما بالنسبة للسؤال العريض الخاص وهو هل سيتم تنفيذ هذا المشروع وإخراجه الى حيز التنفيذ ؟، خصوصا أنه تمت المصادقة عليه بالأغلبية في ظل الحكومة السابقة ولم ينفذ، على أمل أن يتم ذلك في ظل الحكومة الجديدة المعينة في سنة 2017.     


 
- (1)- أنظر ميثاق إصلاح منظومة العدالة الذي تم اعتماده بتاريخ 30 يوليوز 2013.
- (2)- فللمزيد من التوضيح أنظر المادة 21 من مشروع قانون رقم 15.38 المتعلق بالتنظيم القضائي صيغة 7 يونيو 2016.
- (3)- مقال قانوني أنجز من طرف الأستاذ أحمد الذيب بعنوان " الحكامة القضائية مدلولاتها وأهدافها  "منشور في الموقع الالكتروني: http://www.maqalaty.com/62068.html
- (4)- أنظر في هذا الاطار مقال حول " أبرز مستجدات التنظيم القضائي للمملكة " منشور في الموقع الالكتروني http://www.studies.ma/2016/02/justice.html

  

mardi 13 mars 2018












  ?           من إعداد   الطالب عبدالله شهير الجرموني
          باحث بسلك المـاستر 
      تخصص العقار والتوثيق
     كلية الحقــــــــوق       لحقـ    
 _المحمـــــــــــــدية_
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                النظام القانوني للمسؤولية المفترضة ومدى كفاية النظريات المؤسسة لهذا النوع من المسؤولية في حماية المضرور في ضوء التشريع المغربي 
        ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ




             مقدمة
      إن الحديث عن المسؤولية يستدعي الحديث عن فكرة الخطأ والجزاء فكلاهما من الفروض الأساسية لقيامها ،ذلك أن المسؤولية تعني أن ثمة فعل ضار يوجب مؤاخذة فاعله.
     وعموما تقسم المسؤولية إلى  إلى زمرتين إما أدبية أوقانونية ، هذه الأخيرة  تقسم بدورها إلى جنائية ومدنية والمسؤولية المدنية تتفرع هي الأخرى إلى عقدية وتقصيرية .
     ويهمنا من كل هذه المسؤوليات المومأ إليها أعلاه المسؤولية التقصيرية وعلى وجه أخص المسؤولية المفترضة كجزء من المسؤولية التقصيرية .
      يراد بالمسؤولية لغة بوجه عام " حال أو صفة من يسأل عن شيء تقع عليه تبعته ".أما اصطلاحا فقد تم تعريفها بكونها التعويض عن الضرر الناشئ عن فعل شيء غير مشروع ،أما وصف هاته المسوؤلية  بالتقصيرية فتمييزا لها عن المسؤولية العقدية .
      إن ما وصلت إليه المسؤولية المفترضة في الوقت الراهن في مختلف الأنظمة القانونية المعاصرة لم يأت دفعة واحدة ،بل ترسخ عبر مراحل تطورية واكبها بروز مجموعة من النظريات ،بحيث تطورت هذه المسؤولية بتطورها .
      والحق أن موضوع المسوؤلية المفترضة يكتسي مكانة بالغة في القانون المدني المغربي إن على المستوى النظري أو على المستوى التطبيقي والواقعي (العملي)، سواء من حيث التنظيم التشريعي ،أو من حيث التأصيل الفقهي والقضائي من جهة ،أو من حيث الغاية المنشودة منها والتي تتمثل في رفع الحيف والظلم على المتضررين وذلك عبر تيسير سبل الإثبات من جهة أخرى.
       وللإحاطة بهذا الموضوع  سنسترشد بثلة من المناهج ،كالمنهج التحليلي مثلا الذي سنقوم من خلاله بتحليل النصوص المؤطرة لمؤسسة المسؤولية المفترضة  واستجلاء مضامينها،أما المنهج التاريخي فسيسعفنا في استقراء التاريخ  ونبش الذاكرة وتقليب صفحات الماضي لمعرفة كيف تطورت هذه المسؤولية حتى أصبحت على ماهي عليه في الوقت الراهن دون أن نغفل المنهجين النقدي والمقارن لما لهما من أهمية بارزة في هذا المضمار  .
       وعلى هدي ماسبق نطرح الإشكالية التالية : 
        إلى أي حد كان المشرع المغربي موفقا في معالجة أحكام المسؤولية المفترضة ؟   وما مدى كفاية النظريات  المؤسسة لهذا النوع من المسؤولية في حماية المضرور في ضوء التشريع المغربي ؟
  للإجابة عن هذين الإشكالين الجوهريين فإننا نقترح التصميم أدناه :
Ø  المبحث الأول أحكام المسؤولية المفترضة في التشريع المغربي
Ø  الأسس النظرية المؤسسة للمسؤولية المفترضة وسؤال الحماية
Ø  المبحث الأول أحكام المسؤولية المفترضة في التشريع المغربي

          عالج المشرع المغربي أحكام المسؤولية المفترضة كجزء من المسؤولية التقصيرية بمقتضى الفصلين851 و85 مكرر من قانون الالتزامات والعقود بالنسبة للمسؤولية عن فعل الغير .     
        وخصص المواد 86 و88 والمادتين 89 -90 من ذات القانون  للحديث عن  ثلاث أنواع أخرى من المسؤولية المفترضة ويتعلق الأمر بمسؤولية حارس الحيوان وحارس الشيء ومسؤولية مالك البناء ،كما جعل المشرع المسؤولية المفترضة أساسا لبعض المسؤوليات في بعض القوانين الخاصة من ذلك  القانون البحري وقانون الشغل.
        فإذا كانت القاعدة أن الإنسان لا يسأل إلا عن  عمله الشخصي .إلا أنه يمكن على وجه الاستثناء أن يرتب القانون على شخص مسؤولية عمل قام به غيره،وفي هذه الحالة لاتقوم المسؤولية إلا بالنسبة للأشخاص الذين عددهم القانون على سبيل الحصر2.
      وللإحاطة بأحكام المسؤولية المفترضة في التشريع المغربي سنقوم بتقسيم هذا المبحث إلى مطلبين نعالج في الأول ماهية المسؤولية المفترضة في قانون الالتزامات والعقود (المطلب الأول) على أن نرجىء الحديث عن المسؤولية المفترضة في بعض القوانين الخاصة في (المطلب الثاني)
v   المطلب الأول : ماهية المسؤولية المفترضة في التشريع المغربي
    سنتناول في هذا المطلب تعريف المسؤولية المفترضة  وأركانها في (الفقرة الأولى)،على أن نتطرق في (الفقرة الثانية ) لصورها كيفية التنصل منها؛وذلك كالتالي :
·       الفقرة الأولى تعريف المراد بالمسؤولية المفترضة وأركانها  
      قبل تعريف المسؤولية المفترضة ننبه بادئ ذي بدأ أنه  بإلقاء نظرة في القرآن الكريم يلاحظ جليا أن الشارع –سبحانه_ قد أقر مبدأ شخصية المسؤولية ،أي  أن الإنسان ليس مسؤولا إلا عن خطئه الشخصي  حسب الشرع الإسلامي الحنيف والآيات في ذلك كثيرة معلومة .
       ولا نجد مانستشهد به في هذا المقام أعظم ولا أفضل من قوله تعالى((ألا تزر وازرة وزر أخرى))3
           وعلى ضوء هذه الآيات سار المشرع المغربي في ظهير الالتزامات والعقود بمقتضى الفصلين 77 و78 عندما جعل الشخص لا يسأل إلا عن عمله الشخصي فطبقا لمقتضيات الفصلين أعلاه
 تقوم المسؤولية عن العمل الشخصي على خطأ واجب الإثبات ويتحمل المضرور عبء الإثبات ولا شك أن المشرع الوضعي/المغربي بهذا  التنظيم القانوني رجح كفة المسؤول عن المضرور ،حيث يجد هذا الأخير نفسه في بعض الأحيان عاجزا عن إثبات أركان  هذه المسؤولية نتيجة ظروف تحيط به سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية ...
        ونرجع بخصوص تعريف المراد بالمسؤولية المفترضة فنقول أن المشرع المغربي وعلى غرار باقي التشريعات المقارنة وإن كان قد نظم في ظل المسؤولية التقصيرية مايعرف بالمسؤولية المفترضة سواء تلك التي تكون عن فعل الغير أو تلك المتعلقة بالمسؤولية عن  الحيوان أو الأشياء أو مالك البناء فإنه  قد أحجم عن  إعطاء تعريف للمراد  بها  ،وفي اعتقادنا حسنا فعل   مشرعنا بصنيعه هذا مادامت التعريفات من اختصاص الفكر القانوني والاجتهاد القضائي غالبنا ما تتحاشاها التشريعات.
      وعموما يمكن القول وباختصار شديد أن المسؤولية المفترضة هي نظام قانوني افترض فيه المشرع الخطأ في شخص معين بمجرد وقوع الضرر،ولو لم يصدر عنه خطأ شخصي.
       أما  بخصوص أركانها  فإنها لا تختلف كثيرا عن غيرها من أنواع المسؤولية الأخرى  إذ ترتكز  بدورها على ثلاث أركان وهما  خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما ,لكن مايميزها أنها تقوم على افتراض  الخطأ الذي سبب الضرر متى كانت علاقة سببية بينهما.
·       الفقرة الثانية صور(أنواع) المسؤولية المفترضة  
       تنقسم المسؤوليات المفترضة في قانون الالتزامات والعقود إلى ضربين-نوعين- مسؤولية عن فعل الغير من جهة (أ)، ومسؤولية مفترضة تتعلق بكل من حارس الحيوان-حارس الشىء ومالك البناء من جهة ثانية(ب)
ü    (أ) المسؤولية عن فعل الغير
      الأصل أن الشخص لايسأل إلا عن فعله الشخصي ،إلا أن المشرع نظرا لاعتبارات خاصة حمل الشخص المسؤولية عن فعل غيره إذا قامت شروط معينة .والمسؤولية عن فعل الغير على نوعين أما أن تكون ذا قرينة قابلة لإثبات العكس ؛أي بسيطة ،أو تطون ذات قرينة قانونية قاطعة لايسوغ إثبات عكسها ،وذلك كالتالي :
                     1ـــــ المسؤولية عن فعل الغير ذات القر ينة القانونية البسيطة
              # مسؤولية  المكلفين برقابة القاصرين
  قعدت لهذا النوع من المسؤولية الفقرة الثانية من الفصل 85 من ق ل ع وباستقرائها يتضح عيانا أنه لتحقق مسؤولية الأبوين عن تصرفات أبنائهم الضارة لابد من توافر ثلاثة شروط وهي أن يتعلق الأمر بقاصر ،وأن يكون تحت كنف أبويه ،وأن يلحق ضررا بالغير.
      لكن ماذا لو تم ترشيد القاصر فهل ياترى يبقى تزال المسؤولية عن الأبوين أم الأمر عكس ذلك ؟
       المشرع المغربي لم يورد أي مقتضى بهذا الخصوص وقد تدخل بعض الفقه4 لسد هذه الثغرة بتقديم بعض الحلول لهاته المسألة،وتجدر الإشارة أن المشرع الفرنسي فطن لهذه المسألة فنص عليها في المادة 482 من قانون المدني .
                # مسؤولية صاحب الحرفة عن أفعال متعلميه
يسأل صاحب الحرفة كالحداد والنجار وغيرهما عن الأضرار التي تحدث بفعل متعلميهم أثناء الوقت الذي يوجدون فيه تحت رقابتهم وفق ماتقضي به أحكام الفقرة الرابعة من المادة 85 من ق ل ع 5
                  # مسؤولية المكلفين برقابة المجانين ومختلي العقل
نص عليها الفصل 85 كذلك وما يلاحظ بخصوصها أن المشرع لم يورد الأشخاص المكلفين برقابة المجانين على سبيل الحصر بل هو من باب التمثيل فقط .    
                        2ــــ المسؤولية عن فعل الغير ذات القرينة القانونية القاطعة
   ينبني هذا النوع من المسؤولية على افتراض خطأ غير قابل لإثبات العكس ويتعلق الأمر بمسؤولية المتبوع عن فعل التابع ففي هذه الحالة لا يكتفي القانون بافتراض وقوع الخطأ من  المكلف بالرعاية افتراضا يقبل غثبات العكس ،بل على العكس م ذلك يقيم مسؤوليته على افتراض لا يسمح له بدحضه .  وقد نصت على هذه المسؤولية الفقرة 3 من المادة 85 ق ل ع.
     إن "مسؤولية المتبوع عن فعل تابعه مسؤولية عن فعل الغير ،تقوم على أساس ارتكاب الخطأ (الغير) لخطأ يحدث ضررا لشخص آخر ،ويتحملها المتبوع بسبب مايربطه بالتابع من علاقة التبعية"6
ü    (ب)  مسؤلية حارس الحيوان-حارس الشيء ومالك البناء
   سنتناول أولا مسؤولية حارس الحيوان ثم مسؤولية حارس الشيء ثانيا ،ونختم بالحديث  عن مسؤولية مالك البناء
                   1ـــــ مسؤولية حارس الحيوان
 نص عليها  ف 86 من ق ل ع واستنادا عليه يتضح أن المشرع اشترط ثلاثة شروط لقيام هذه المسؤولية وهي افتراض الخطأ، الضرر  فالعلاقة السببية
       مما يعني معه أنه لابد لقيام هذه المسؤولية من أن يتولى شخص حراسة حيوان ،وأن يحدث هذا الحيوان ضررا للغير.
          وهو ما أكده الحكم الصادر حديثا عن إيتدائية العرائش في الملف المدني الصادر بتاريخ 1 أكتوبر 2010 .7
                    2ـــــ مسؤولية حارس الشىء
   ينص الفصل 88 من ق  ل ع على مايلي '' كل شخص يسأل عن الضرر الحاصل من الأشياء التي في حراسته  إذا تبين أن هذه الأشياء هي السبب المباشر للضرر ..."
          وقد اشتد الخلاف بين أوساط الفقه حول أساس  هذا النوع من المسؤولية ،من قائل أن أساسها تحمل التبعة -جوسران-وبين من جعل مبناها خطأ مفترض والمتمثل في الرقابة وعدم بدل العناية اللازمة-الفقيهان كابتان وكولان -7مكرر.
      والمشرع المغربي أخذ بكون الخطأ المفترض  في هذه الحالة هو ذو قرينة قاطعة ولا يتنصل الحارس من المسؤولية إلا إذا أقام الدليل على أن الضرر الذي أصاب المضرور يرجع إلا سبب أجنبي لايد له فيه كالقوة القاهرة أو الحادث الفجائي أو خط
أ المضرور نفسه أو خطأ الغير.
                  3ــــ مسؤولية مالك البناء
يقر المشرع المغربي مسؤولية مالك البناء عن الأضرار الناجمة عن تهدمه في المادتين 89 و90 من قانون الالتزامات والعقود8.
      وبالقراءة المتأنية لمقتضيات الفصلين أعلاه يتبين أن المشرع حدد الأشخاص المسؤولين عن تهدم البناء في مالك البناء كأصل ،وصاحب حق السطحية 9 استثناء ،وأي شخص غير المالك مكلف بمقتضى عقد أو بمقتضى أي حق عيني آخر.
                        لكن هل قرينة الخطأ المفترض هنا بسيطة أم قاطعة ؟
       من خلال الفصلين المبسوطين أعلاه يتضح ان مسؤولية مالك البناء لا يستطيع دفعها عن طريق إقامة البينة على أنه لم يرتكب خطأ اللهم ما لايد له فيه كالحادث الفجائي أو القوة القاهرة أو مالايمكن أن يعزى إليه كخطأ المضرور .أي أن المسؤول هو المكلف بالإثبات في هذه الحالة .
v  المطلب الثاني :المسؤولية المفترضة في بعض القوانين الخاصة
  سنتناول في هذا المطلب نوعين من المسؤولية المفترضة في ظل القوانين الخاصة ،بحيث سنتطرق في (الفقرة الأولى) لمسؤولية المشغل،ثم بعد ذلك مسؤولية الناقل البحري (الفقرة الثانية)
·       الفقرة الأولى مسؤولية المشغل
          يعتبر قانون الشغل المجال الخصب لتطبيق نظرية المسؤولية المفترضة فمثلا باستقراء القانون رقم 65ـــ99 المتعلق بمدونة الشغل 10وغيرها  من القوانين التي لها علاقة بحقل القانون الاجتماعي، نجد أن هذه الأخيرة تحمل المسؤولية للمشغل مباشرة للمشغل وتجعل الخطأ فيه مفترضا ، وهو ماكرسه  مثلا الفصل 63  من مدونة الشغل  في فقرته الثانية .
      فالمشرع من خلال الفصل 63 أعلاه  اعتبر أن الأصل هو وجود مبرر موضوعي وأن عبء الإثبات يقع على المشغل .
            كما تجدر الإشارة إلى أن هذا المقتضى المتعلق بالإثبات ليس وليد مدونة الشغل ،بل كان نفس الأمر منذ أول قانون يتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل دون تكليف المضرور بإثبات خطأ المسؤول مرورا بظهير 31 ماي 1943 والذي احتفظ بنفس فلسفة القانون السابق .
     وهكذا يكون الفصل تعسفيا ،مالم يكن هناك مبرر جدي وحقيقي يقع على المشغل عبء إثباته ،ويطبق نفس المقتضى عندما يدعي المشغل مغادرة الأجير لعمله بصفة تلقائية
      أما القانون الجديد رقم 12.18  المؤرخ في 22 يناير 2015 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية فقد حمل صراحة المشغل المسؤولية وافترض فيه الخطأ بخصوص  الحوادث والأمراض المهنية ولو لم يرتكب أي خطأ.حيث أقامها المشرع على عنصر-نظرية –الضرر الذي يلحق الأجير.
·       الفقرة الثانية :مسؤولية الناقل البحري
   من  المعلوم في الحقل المدني أنه من بين أنواع الالتزامات نجد الالتزام بنتيجة والذي هو عكس الإلتزام ببذل عناية ،فإذا كان هذا الأخير يتطلب من الملزم به فقط بذل مجهوذ معين –كالمحامي- فإن في الالتزام بنتيجة وجب بالضرورة تحقيق النتيجة المرجوة –طبيب تجميل مثلا، مهندس...- ويدخل التزام الناقل البحري في زمرة الالتزام بتحيق نتيجة .
      و"لما كان التزام الناقل البحري هو التزام بتحقيق نتيجة ،أي أنه ملزم بتوصيل البضاعة سالمة إلى نقطة الوصول المحددة "11،فإنه بالتالي يتحمل المسؤولية نتيجة افتراض الخطأ فيه بقوة القانون .
                           فما هي ياترى شروط قيام مسؤولية الناقل البحري ؟ 
                  لقيام مسؤولية الناقل البحري يتطلب توفر الشروط الثلاث الآتية :
 الشرط الأول أن يكون هناك خطأ من جهة الناقل قبل الشروع في عملية النقل
     ويتمثل ذلك في عدم توفير وسيلة نقل كافية ،وعدم فحص البضائع المرسلة إلى جانب عدم شحن البضائع ،ورسها بطريقة ملاءمة وسليمة؛
الشرط الثاني أن يكون خطأ الناقل في ميناء الوصول
    والمقصود بهذا الشرط أنه يتعين على الناقل أن يقوم بعملية التسليم ،وغالبا مايكون هذا الأخير-التسليم- مقترنا بالتفريغ الذي يقع على عاتق الناقل البحري .
    ولدفع هذه المسئولية يتعين على الناقل البحري أن يثبت عدم صلاحية السفينة للملاحة ،أو أن الخطأ ناتج عن قوة قاهرة أو حادث فجائي .
    ويعفى الناقل البحري أيضا من المسؤولية عندما يكون الضرر بسبب أخطاء في الملاحة أو في دائرة السفينة ،أو أن الضرر كان بسبب إنقاذ أو محاولة إنقاذ الأرواح ،والأموال في البحر أو بسبب العيب الذاتي في البضاعة .
 الشرط الثالث أن يكون خطأ الناقل أثناء القيام بعملية النقل
       ومن الصور البارزة لهذا الخطأ نجد مثلا الناقل بالمحافظة على البضائع إلى جانب التأخير في التنفيذ ،وهلاك أو تلف البضائع نتيجة خطأ الناقل.
Ø  المبحث الثاني الأسس النظرية المؤسسة للمسؤولية المفترضة وسؤال الحماية
        لقد تعددت  النظريات الفقهية التي تناولت موضوع أساس المسؤولية المفترضة ،فكل نظرية من هذه النظريات  أصلت للمسؤولية المفترضة حسب نظرتها   الفلسفية الخاصة فمنها من بنى هذا النوع على أساس افتراض الخطأ في جانب المسؤول ومثال ذلك مسؤولية حارس الشيء ومالك البناء في تشريعنا المغربي، وهي مايعرف ب"النظرية الشخصية" أو (نظرية الخطأ المفترض )ومنها من جعل أساس المسؤولية المفترضة  عكس النظرية السالفة تماما بحيث بناها على فكرة الضرر وليس  على مجرد الخطأ وهو مايعرف ب"النظرية الموضوعية "أو (نظرية الضرر).إلا أنه ورغم أخذ المشرع المغربي  في الشريعة العامة  -ق ل ع- بهاتين النظريتين التقليديتين   فقد أبانت التجربة   عن قصورهما في حماية المضرور مما جعلهما عرضتين للنقض.
    وإلى جانب هاتين النظريتين التقليديتين وبهدف تجاوز القصور الذي شابهما في تحقيق الحماية اللازمة للمتضرريين فقد برزت في -نفس السياق - نظريات حديثة أصلت بدورها للمفهوم الجديد للمسؤولية المفترضة ومن بين هذه النظريات الحديثة نجد  "نظرية تحمل التبعة""نظرية التمثيل القانوني" أو ما يعرف ب (  نظرية النيابة)
v   المطلب الأول النظريات التقليدية
    للإحاطة بهذه النظريات التقليدية سنحاول أن نتطرق في( الفقرة الأولى) للأسس النظرية للمسؤولية المفترضة في ظل النظرية الشخصية أو مايعرف ب "نظرية افتراض الخطأ"،على أن نرجئ الحديث بعد ذلك عن  النظرية الموضوعية" نظرية الضرر" في( الفقرة الثانية )
·       الفقرة الأولى النظرية الشخصية
      تعرف هذه النظرية كذلك بنظرية افتراض الخطأ أو بالنظرية الذاتية ،حيث" تجعل هذه النظرية من الخطأ ركيزة للمسؤولية ومبناها الأساسي"12.وهي نظرية تعوذ جذورها إلى القرن السادس عشر وقد وضع لبناتها الأولى الفقيه الفرسي دوما DOMAT ،ثم تبناها المشرع الفرنسي القديم من خلال مدونة نابليون لسنة 1804، ومن بعده  العديد من التشريعات الأخرى ومن بين هذه التشريع نجذ  المشرع المغربي، هذا الأخير  الذي سار على نفس المنوال  من خلال تأسيسه لبعض المسؤوليات على  أساس افتراض الخطأ في جانب المسؤول .ونذكر على سبيل التمثيل مسؤولية حارس الشيء ومسؤولية المتبوع عن أعمال ،فإنهما يقومان على الخطأ المفترض ؛إذ المشرع يفترض أن الضرر قد حصل نتيجة إهمال أو تقصير أو إساءة  المراقبة أو الإشراف سواء تعلق الأمر بمسؤولية حراسة الأشياء أو مسؤولية المتبوع عن عمل التابع 13
         ولا  أخفي ميلي  إلى صوابية الرأي الفقهي المبسوط أعلاه فيما ذهب إليه ،لاعتبارات شتى لعل أبرزها أن عبء الإثبات لا يقع على المتضرر ،وإنما على الشخص المفترض فيه الخطأ-المسؤول –الذي يجب عليه  أن ينفي علاقة السببية بين الخطأ المفترض فيه  والضرر ،ولاشك أن لهذا أهمية بالغة ،لكون المضرور غالبا ما يكون عاجز إثبات خطأ المسؤول من جهة ،ومن جهة أخرى أن هذه المسؤوليات التي تقوم على خطأ مفترض واردة على سبيل الحصر ،إذ لا يسوغ للقضاء التوسع فيها في غير الحالات المنصوص عليها من طرف المشرع وإلا تعرض المقرر القضائي –سواء كان حكما أو قرارا – للطعن فيه بأحد طرق الطعن .
      إلا أن هذه النظرية رغم كل ذلك وجهت لها سهام نقذ حادة  أبرزها أنه بإمكان المسؤول التنصل من المسؤولية  المفترضة فيه إذا اثبت أن الخطأ كان بسبب المضرور نفسه ،أو يعود لسبب أجنبي لا يد له فيه كالقوة القاهرة أو الحادث الفجائي ،مما يؤدي إلى ضياع حقوق المتضررين ...
·       الفقرة الثانية النظرية الموضوعية
         تتمثل نقطة الضعف الأساسية للنظرية الشخصية/الذاتية  عدم قدرتها على مجابهة المخاطر الجماعية التي خلفتها الثورة الصناعية التي اكتسحت أوربا وأمريكا وغيرها من البلدان بداية أواخر القرن التاسع عشر .
      ذلك أن العدد المهول والمتزايد لحوادث لشغل وكذا حوادث السير وحوادث الطريق جعل من ضرورة التعويض عن الأضرار الناجمة عنها مشكلا  وقضية اجتماعية وليس فردية تتعلق بالمضرور فحسب ،لذلك يرى أنصار هذه النظرية وفي مقدمتهم  الفقيه جوسران  ـJOSSERAND  بوجوب قيام المسؤولية المفترضة على أساس الخطر أو تحمل التبعة لا فكرة الخطأ. وهو ما أعطى لهذه النظرية مكانة مرموقة باعتبارها لعبت دورا هاما في تطور المسؤولية المدنية .
       لقد أثرت نظرية الغنم بالغرم أو تحمل التبعة القائمة على فكرة الخطر بصورة واضحة على القانون المغربي وخاصة في قانون الشغل الذي يعتبر مرتعا خصبا لها ،بحيث عملت على تجاوز الأزمة التي عانت منها المسؤولية المدنية والمسؤولية المفترضة -كجزء من المسؤولية التقصيرية- بالخصوص نتيجة للتحولات الاقتصادية والاجتماعية .
          ونحن نتحدت عن فكرة الخطر كأساس للمسؤولية في ظل هذه النظرية .
فماهو  المعيار الذي يمكن الاعتماد عليه من أجل التمييز بين الأشياء الخطرة والأشياء غير الخطرة ؟
        في اعتقادنا المتواضع بخصوص هذا السؤال حبذ لو تم    ترك مأمورية  هذا التمييز  للسلطة التقديرية للقضاء .
     وعموما ورغم القيمة العلمية والتاريخية والقانونية لهذه النظرية فإنها لم يكتب لها النجاح كذلك لعدة اعتبار ، ومما تعرضت له من انتقادات  أنها نشأت في القانون  الاجتماعي والحال أن هذا الأخير يختلف كثيرا عن الأضرار الناشئة عن الحوادث المدنية 14.
v   المطلب الثاني   نظريتي الضمان والنيابة
    سنتوقف في هذا  المطلب عند نظرية الضمان في الفقرة الأولى ونختم هذا البحث  بنظرية النيابة أو مايعرف بالتمثيل القانوني،وذلك كالتالي :
·       الفقرة الأولى نظرية الضمان
        معلوم أن المسؤولية المفترضة قانونا تنشأ عند مخالفة التزام قانوني وهو عدم الإضرار بالغير .وأما شرعا فهي تنشأ أيضا بسبب مخالفة التزام شرعي وهو مبدأ احترام حقوق الغير .
     وإن أهم الحالات التي يثار بشأنها موضوع الضمان إما أن يكون الفعل فيها صادرا عن الشخص المعتدي أو المخطئ نفسه ، أو عن أشخاص خاضعين لرقابته أو تابعين له ،أو عن شيء أو حيوان مملوك له 15
       يرى أنصار هذه النظرية أن أساس المسؤولية المفترضة يكمن في ضمان ما يصيب المضرور في ماله أو جسده ..وبغض النظر عن نوعية الخطأ الذي صدر عن مرتكب الفعل الضار ،فالشخص مسؤول بتحمل تبعة هذا الفعل أي أنه مسؤول ولو لم يرتكب أي خطأ16
    ومن تطبيقات هذه النظرية نورد مسؤولية الأبوين كمثال،فعندما يرمي الإبن بحجارة تسببت في كسر الزجاج الأمامي لسيارة ما، يكون الأب ملزما بضمان فعل ابنه ،وذلك عن طريق إصلاح الضرر اللاحق بالسيارة .
      وكسابقاتها من النظريات ،تعرضت هذه النظرية لمجموعة من الانتقادات ،حيث يرى أستاذنا عبدالحق صافي 17 أن هذه المسؤولية تنطوي على إسنادها للقانون مباشرة مما يشكل تقصيرا في التحليل ،فمصدر الحق في التعويض في كافة المسؤوليات هو العمل غير المشروع أي المسؤولية التقصيرية وليس القانون .
·        الفقرة الثانية نظرية النيابة أو التمثيل القانوني
    يرى فقهاء  هذه النظرية وأنصارها أن أساس المسؤولية المفترضة مبني على خطأ مفترض في علاقة المتبوع بالتابع ،حيث يعتبر التابع –وفق هذه النظرية – ماهو في حقيقة الأمر إلا نائب قانوني عن المتبوع ،الشيء الذي ينتج عنه تحمل المتبوع أخطاء تابعه لكون هذا الأخير يعمل لحسابه وينفد أوامره 18
      لكن ما يعاب على هذه النظرية أنها راعت فقط العلاقة بين التابع والغير وأسستها على خطأ مفترض في جانب المتبوع ،في حين أسست العلاقة التي تجمع بين المتبوع والتابع على خطأ واجب الإثبات، وبالتالي تكون هذه النظرية قد أسست المسؤولية بمنظارين متعارضين مما يجعلنا نتساءل كيف يكون  الخطأ واجب الإثبات ومفترضا في ذات الوقت !؟
                                  
             في ختام هذه الدراسة نبادر إلى القول  أن موضوع المسؤولية المفترضة في ظل التشريع المغربي –وعلى غرار باقي التشريعات- يكتسي أهمية بالغة  ،ولا أدل على ذلك من تخصيص المشرع المغربي له حيزا هاما من فصول ظهير الالتزامات والعقود وكذا بعض الفصول في قوانين أخرى كقانون الشغل والقانون البحري.
        لكن الذي يشد النظر أنه رغم أن موضوع المسؤولية بصفة عامة قد سالت بشأنه مداد كثير من الفقهاء القانونيين، وكذا شراح الفقه الإسلامي  وعلماء الأصول وخصصت له دراسات فقهية ليست بالهينة إلا أن موضوع المسؤولية المفترضة لا زال يحتاج الكثير من الدراسة والتعمق في الوقت الراهن .
       وذلك نظرا للتحولات الاقتصادية والاجتماعية الأخيرة  ، بحيث أثبتت التجربة أن أغلب تلك النظريات  أضحت قاصرة في تحقيق الحماية اللازمة للمتضررين بفعل التطور المتزايد للمكننة والتكنولوجيا.
     ولا نبالغ أن إذا قلنا أن  الفقه الإسلامي  أسس للعديد من النظريات التي لها علاقة بالمسؤولية المفترضة  وساهم بشكل كبير في وضع مجموعة من الأحكام التي تؤدي إلى حماية المتضررين بناء على افتراض المسؤولية في أشخاص معينين إما بسب القرابة كالآباء ومن في حكمهم ،وإما بموجب أسباب أخرى ؛فلا يختلف إثنان أن الفقه الإسلامي يعتبر "مدرسة عالمية "وأن كل النظريات-الوضعية- تبقى قاصرة أمامه ،وذلك لرصانة الأسس التي يعتمد عليها المتمثلة  في الكتاب-القرآن الكريم- والسنة –النبوية—بالخصوص.
       ومسك الختام لا يسعنا إلا أن نتمنى أن تحظى المسؤوليات المفترضة بدراسة جامعة مانعة ومستقلة عن باقي أنواع المسؤوليات الأخرى، كما نهمس في أذن المشرع من هذا المنبر أن يكون واضحا  مع نفسه عندما يتعلق الأمر بنصوص قانونية تتعلق بالمسؤولية المفترضة ولما لا أن يجمع شتات نصوصها وضمها  في قانون واحد تحقيقا لغاية سامية ألا وهي حماية المضرور ،وذلك في أقرب فرصة تتاح له لتعديل قانونه المدني وبالأخص الظهير العجوز- ق ل ع- الذي عمر أكثر من زهاء قرن ونيفا من السنين .


وماتوفيقي إلا بالله
& الهوامش   
 1-جاء في الفصل 85 من قانون الالتزامات والعقود مايلي :
    "لايكون الشخص مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه بفعله فحسب،لكن يكون مسؤولا أيضا عن الضرر الذي يحدثه الشخاص الذين في عهدته ..."
    أما النص الفرنسي الأصلي- فجاء فيه
« On est responsable non seulement du dommage que l’on cause parson propre fait ;mais encore de celui qui est causé par le fait des personnes dont on doit répondre … »
2-ادريس العلوي العبدلاوي،شرح القانون المدني النظرية العامة للالتزام _الإرادة المنفردة ،الإثراء يلا سبب ،المسؤولية التقصيرية ،القانون ،(دار النشر غير مذكورة)، ط الأولى -2000،ص 197.
3-سورة النجم ،الآية 38
4-عبدالقادر العرعاري ،المسؤولية المدنية ،مكتبة دار الأمان ،ط الخامسة الرباط،2016،ص157
5-ادريس العلوي العبدلاوي، مرجع سابق،ص203
6-ادريس العلوي العبدلاوي،نفس المرجع ،ص211
7-والذي جاء فيمن بين حيثياته "وحيث أن عضة الكلب قد تسببت للطفل في اضرار بدنية... وحيث أن الكلب كان متواجدا بحديقة منزل المدعى عليه،وبالتالي  يعد تحت حراسته ومسؤوليته ..."
     أورده أستاذنا عبدالحق صافي ،الوجيز في القانون المدني،الجزء الثاني ،مطبعة النجاح الجديدة ،طبعة 2015،ص197
7مكرر راجع
الحسن الأمراني زنطار، محاضرات في المسؤولية المدنية،مطبعة الأحمدية،ط2014،ص86
8-العبدلاوي العلوي ادريس،م-س،ص228
9-عالج المشرع المغربي أحكام هذا الحق العيني كحق أصليبموجب مدونة الحقوق العينية رقم 39-08 المؤرخة في 2011 وذلك في الفصول من 116إلى 120 .ومايلاحظ بشأن هذا الحق أن المشرع العقاري اعتبره حق مستقل عن حق مالك الرقبة أي أنه حق كامل السلطات من استعمال واستغلال وتصرف ،وكل مافي الأمر أنه محصور النطاق في البنايات والمنشآت والأغراس موضوعه دون غيره
10-ظهير شريف رقم 194ـ103،صادر بتاريخ الرابع عشر من شهر رجب 1424الموافق ل 11شتنبر 2003،بتنفيذ القانون رقم 65،99 المتعلق بمدونة الشغل عدد 5161.شوال 1429الموافق ل 28 ذجنبر 2003،ص 3970-4134
11-محمد بولنوار ، المسؤولية المدنية للناقل البحري على ضوء التشريع المغربي،رسالة لنيل شهادة الماستر ،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ،جامعة القاضي عياض ،مراكش ،السنة الجامعية2002-2003،ص54-55.
12- محمد الزين ـالمسؤولية التقصيرية ،دار النشر والطبعة غير مذكورة ،السنة الجامعية 1998،1999.
13-محمد الحضري ،نطاق مسؤولية المتبوع باعتباره حارسا للشيء وفق أحكام التشريع المغربي ،أطروحة لنيل الدكتوراه، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ،جامعة محمد الخامس،الرباط ،1997-1998،ص64.
14-عبدالقادر العرعاري ،م س ،ص 175.
15-العلامة وهبة الزحيلي ،نظرية الضمان أو أحكام المسؤولية المدنية والجنائية في الفقه الاسلامي دراسة مقارنة دار الفكر المعاصر بيروت-لبنان،ص 216.
16-العرعاري عبدالقادر ، المسؤولية المدنية ،مرجع سبق ذكره،ص 226،227.
17-أستاذنا عبدالحق صافي،مرجع سابق ،صَ185
18-نفس المرجع أعلاه ،ص167.